لماذا لا تريد روسيا اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران؟

أدى هجوم جوي إسرائيلي على مبنى ملحق بالسفارة الإيرانية في سوريا الأسبوع الماضي إلى مقتل ثلاثة من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني وأربعة آخرين من الضباط العسكريين الإيرانيين, ومن المتوقع أن ترد إيران على ذلك خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة.

 

وتقول الدكتورة ميشيل جريه الباحثة البارزة بمؤسسة راند الامريكية، واستاذة تحليل السياسات بكلية باردي للدراسات العليا إن المرشد الأعلى الإيراني آية الله على خامنئي توعد بأن إسرائيل سوف “تُعاقب” و”تندم على هذه الجريمة”، بينما قال الرئيس إبراهيم رئيسي إن الهجوم ” لن يمر دون رد عليه”.

 

وتضيف جريه في تحليل نشرته مجلة “ناشونال انتريست” الأمريكية أن المخاوف تتزايد إزاء إمكانية أن يؤدي هذا إلى تصعيد للحرب بين إسرائيل وحماس وتحولها إلى صراع إقليمي أوسع نطاقا وربما أيضا إلى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران. وعلى الرغم من أنه تردد أن موسكو سوف تستفيد من الفوضى في الشرق الأوسط- حيث ستؤدي إلى تحويل الاهتمام والموارد الغربية من أوكرانيا- فإنها ستخسر كثيرا إذا ما تصاعدت الحرب بين إسرائيل وحماس إلى حرب أوسع نطاقا.

 

فقد قضت روسيا العقد الماضي في تعزيز نفوذها في المنطقة، غالبا من خلال الاستفادة من الصراعات المحلية. وكان ذلك واضحا للغاية في ليبيا، حيث استغلت روسيا الحرب الأهلية في ليبيا لترسيخ موضع قدم لها، وفي سوريا، حيث أنقذ التدخل الروسي نظام الأسد من زوال وشيك في عام 2015. وحينئذ وسعت روسيا نطاق تواجدها في سوريا، حيث رسخت تواجدا دائما في القواعد العسكرية في طرطوس وخيميم.

 

وبعد انسحاب الولايات المتحدة من سوريا عام 2019،ملأت روسيا الفراغ، وساعدت قوات الحكومة السورية على استعادة السيطرة على شمال شرق البلاد. وفي نفس العام،أجرت روسيا تدريبات بحرية مشتركة مع مصر. وأوضح تشييد محطة نووية قامت روسيا ببنائها في مصر مطلع هذا العام النمو المتزايد للعلاقات بين الدولتين.

 

وعلى الرغم من أن روسيا استغلت عدم الاستقرار في ليبيا وسوريا لترسيخ نفسها كدولة ضامنة للأمن الإقليمي، فإنها لن تجني مكاسب مماثلة إذا ما شهدت الحرب بين إسرائيل وحماس تصعيدا. ويعكس هذا من ناحية انشغال روسيا بغزوها لأوكرانيا. وفي  أكتوبر الماضي، ونظرا لانشغالها بالحرب، لم تتدخل روسيا إلى جانب حليفتها السابقة أرمينيا عندما اجتاحت قوات أذربيجان جيب ناجورنو كاراباخ الأرمني. ويشير هذا إلى أن روسيا تفتقر حاليا للقدرة على التصرف كقوة موازنة في منطقة ما بعد العهد السوفيتي، ناهيك عن الشرق الأوسط.

 

وتقول جريه إن هناك دلائل أخرى على أن نفوذ روسيا في الشرق الأوسط يتضاءل . فقد ينطوي تطور العلاقات بين روسيا وإيران على مؤشرات بالنسبة لوضع روسيا في المستقبل في المنطقة. فمنذ بدء الغزو قبل عامين، قامت روسيا بتعميق شراكتها مع إيران، حيث سعت للمزيد من التعاون العسكري والاقتصادي منذ غزو أوكرانيا. ووجدت روسيا في إيران موردا عسكريا مهما لها، حيث زودت موسكو بأنظمة طائرات مسيرة، وصواريخ باليستية وطائرات مقاتلة. كما أن العلاقات الأكثر قربا مع إيران حسنت قدرة روسيا على الصمود في مواجهة العقوبات الدولية.

 

وأوضحت جريه ان صداقة موسكو المتزايدة مع طهران قد تكون دليلا على أن نفوذ روسيا في الشرق الأوسط لا يزال قويا . ومع ذلك، يمكن أن يكون أيضا دليلا على العكس. فقد تدرك روسيا أن دورها المستقبلي في المنطقة قد يكون مشروطا برضا إيران المتمكنة بصورة متزايدة .

 

ولكي تحقق موسكو أهدافها الاستراتيجية طويلة المدى في الشرق الآوسط، يتعين عليها إقامة علاقة عمل وثيقة مع طهران.

 

وترى جريه أن تصعيد الصراع الحالي في الشرق الأوسط يمكن ان يتسبب في ظهور توترات جديدة. وأي صراع إقليمي أوسع نطاقا، خاصة إذا اشتمل على صراع مباشر بين إيران وإسرائيل، من شأنه أن يقيد قدرة إيران على أن تواصل إمداداتها العسكرية لروسيا. وقد تطلب إيران المزيد من الدعم في وقت تكون فيه قدرة روسيا على تقديمه محدودة .

 

وتشير جريه إلى أمر آخر مقلق بالنسبة لروسيا: وهو أن أي صراع أوسع نطاقا في الشرق الأوسط يمكن أن يوفر للصين فرصة للعمل كوسيط ، كما فعلت في التفاوض لتحقيق تقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران في مارس 2023.

 

وقد أسهمت حرب أوكرانيا بالفعل في اعتماد روسيا المتزايد على الصين. وستكون لدى روسيا حساسية بصفة خاصة إزاء محاولات الصين التعدي على نفوذها في الشرق الأوسط.

 

وتقول جريه في ختام تحليلها إن روسيا تبدو في الوقت الراهن أنها تتبع نهجا متوقعا، فقد أدانت إسرائيل لانتهاكها سيادة سوريا وارسلت المزيد من القوات للمنطقة الخاضعة لسيطرة سوريا في مرتفعات الجولان. وسوف يتضح ما إذا كنا سنرى تصعيدا كبيرا في الأيام المقبلة وما إذا كانت روسيا ستكون قادرة على التعامل مع المخاطر المصاحبة لذلك.



التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *